الملايين من عشاق الساحرة المستديرة كرة القدم ، إلتفوا هذا المساء حول شاشات التلفزة لمتابعة كلاسيكو الكرة الأرضية الذي تنفرد باستضافته بالتناوب مدينتي مدريد وبرشلونة الإسبانيتين .. فمنهم من ابتهج وهام عشقاً عندما تقدم الريال بعد 22 ثانية بهدف نجمه الموهوب كريم بنزيما ، وأخرون تمايلوا طرباً على أنغام قائد الأوركيسترا الكروية ليونيل ميسي عندما أهدى أليكسس سانشيز تمريرة ناعمة أحرز منها هدف التعادل للبارسا، ثم عادوا وصفقوا بشدة لتشافي هيرنانديز عندما أحرز هدف التقدم للبرسا، ثم كررت جموع الملايين ضرب الكف بالكف .. بعضها تصفيقاً لهدف البرسا الثالث الذي أحرزه فابريجاس ، والبعض الأخر يعبر عن الدهشته والذهول من هزيمة فريقه الريال .. وعموما فهذه محاولة لتفسير سطور السيناريو التكتيكي الذي انتهجه مدربو الفريقين جوارديولا للبارسا ومورينيو للريال .
لماذا خسر .. وكيف فاز
* في الحقيقة أن الإستراتيجية التكتيكية التي اختارها جوزيه مورينيو المدير الفني لريال مدريد لمواجهة برشلونة ، لها شقان أحدهما شكلي والأخر واقعي .. فمن حيث الشكل ، منح إسلوب الهياج الحركي والإندفاع البدني الذي بدأ به الريال اللقاء من أجل تنفيذ الضغط على حامل الكرة في منتصف ملعب البرسا بهدف منع الخطورة من منشئها بدلاً من مواجهة ميسي ورفاقه في ملعب الريال ، ولعل هذا النهج منحه تفوقاً ميدانياً يطمئن الجماهير، لكن لا يحدث الفاعلية الحقيقية لمعنى وهدف الاستحواز على الكرة الذي يمثل ممراً تنطلق منه هجمات الفريق المتنوعة .. لذلك لم تأتي الاستراتيجية بأداء يمكن الريال من المبادرة الهجومية . ورغم تقدم ريال مدريد بهدف بعد 22 ثانية لبنزيما من كرة أخطأها حارس برشلونة فالديز، إلا أن أحداً من نجومه لم يهدد مرمى البرسا بفاعلية .. واكتفى الفريق ومدربه مورينهو بالوقوف في حالة الدفاع المتقدم أمام البرسا .
خسر الريال لأنه لم يطور من تكتيكه الدفاعي الضاغط المتقدم من منتصف ملعب البرسا الذي نفذه الرباعي دي ماريا و رونالدو وبنزيما ومسعود أوزيل، إلى هجوم جماعي أو فردي سريع .. فالأول فشل لضعف الانتشار حالة قطع الكرات من لاعبي برشلونة ، والثاني لعدم توافر المساحات الخالية في ظهر دفاع برشلونة بسبب اسلوب الدفاع المتقدم للريال الذي أجبر البرشا على التقهقر وتقارب الخطوط بالترحيل يميناً ويساراً للملعب، أو من الأمام للخلف في قلب الميدان ، فكانت النتيجة أن ملعب المباراة الفعلي كان ضيقاً ولا يتعدى ال40 ياردة لا يجيد الريال التحرك فيه .
* على الجانب الأخر من الكلاسيكو .. استطاع فريق برشلونة إمتصاص أكثر من مفاجأة جاءت بها بدايات المباراة ، في مقدمتها الضغط المتقدم للريال بعرض الملعب ، ثم الهدف المفاجيء الذي أحرزه بنزيما وتقدم به الريال .. ويحسب لنجوم برشلونة ذلك الثبات الإنفعالي الذي واجهوا به الاندفاع الريالي .
فاز برشلونة لأنه الفريق الذي كان أكثر صبراً على أحداث اللقاء، ولم ينجرف إلى تسريع الرتم العام للمباراة رغم كل محاولات الريال وجماهيره .. وظل الفريق يخوض حرب ما قبل منتصف الملعب مع العناصر الريالية، معتمداً على إمكانية حصوله على هفوة تفعل الفروق الفردية التي ترجح كفة معظم لاعبي خط المقدمة بقيادة ميسي .
لم يصمد الاندفاع البدني للريال كثيراًحتى بدأت وحداته الميدانية في التفكك ، مما منح ميسي أول فرص اللقاء الحقيقة والتي انفرد بمرمى الريال وتصدى لها الحارس إيكر كاسياس .
ميزان اللياقة البدنية مع الوقت بدأ يميل لصالح برشلونة بعد أن بدأت ملامح انهياره تطل على وجوه لاعبي الريال نظير الجهد الخرافي الذي بذله اللاعبين في تطبيق الضغط الدفاعي المتقدم .. وتجلى ذلك في الدقيقة 30 التي استلم فيها ميسي الكرة بأريحية ومررها للمخترق في العمق الدفاعي للريال أليكسيس سانشيز فأحرز هدف التعادل .
بعد التعادل، خضع الريال مجبراً لأسلوب البرسا في كيفية تبديد ثقة الفريق المنافس من خلال كثرة التمرير القصير ، ونقل الملعب من اليمين لليسار ، وبهذا الإسلوب فرض البرسا وضعاً سيكلوجياً صعباً على لاعبي الريال ذكرهم من خلاله بتفوقه الاعتيادي طوال المواسم الأربع الأخيرة .. فجنى البرسا ثمار هذا التكتيك (الخبيث) الذي يحتاج لقدرات ومهارات خاصة لدى منفذيه ، وحقق التقدم بالهدف الثاني ثم الثالث والذين تناوبا عليهما تشافي هيرنانديز وفابريجاس (د52،66).
اللياقة الزهنية لدى برشلونة تفوقت على نظيرتها عند الريال ، فتوقف الكلاسيكو العالمي على عنصر الوقت في من سيستطيع الصبر على الأخر ويصطاد هفواته كلما حل به الإرهاق الذهني والعضلي بالتبعية .. لذلك فاز برشلونة بالكلاسيكو ، وحرم ريال مدريد من انتعاشة كان ينتظرها العالم لإيقاف تفوق غريمه الكتالوني .